کد مطلب:352801 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:277

المهدی المنتظر والفتن
تتفق جمیع الفرق الإسلامیة علی ظهور رجل فی آخر الزمان یملأ الدنیا بالقسط والعدل، ویقیم دولة الحق لتشمل جمیع أرجاء المعمورة مصداقا لقوله تعالی: (ولقد كتبنا فی الزبور من بعد الذكر أن الأرض یرثها عبادی الصالحون) [1] وقوله تعالی: (ونرید أن نمن علی الذین استضعفوا فی الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین) [2] وكذلك: (ویأبی الله إلا أن یتم نوره ولو كره الكافرون... لیظهره علی الدین كله ولو كره المشركون) [3] .

وقد بین المصطفی (ص) أن هذا الرجل المنتظر هو من أهل بیته بقوله: " لا تذهب الدنیا حتی یملك العرب رجل من أهل بیتی یواطئ اسمه اسمی " [4] .

وعن أبی سعید الخدری، قال الرسول (ص): " لا تقوم الساعة حتی تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا ثم یخرج من أهل بیتی من یملأها قسطا



[ صفحه 136]



وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا " [5] .

وعن أبی هریرة، قال الرسول (ص): " لو لم یبق من الدنیا إلا یوم لطوله الله عز وجل حتی یملك رجل من أهل بیتی، یملك جبل الدیلموالقسطنطینیة) [6] .

وعن أم سلمة، قال الرسول (ص): " المهدی من عترتی من ولد فاطمة ". وقد أخبر الرسول (ص) أن عیسی علیه السلام الذی سیظهر فی آخر الزمان أیضا سیصلی وراء المهدی، فعن أبی هریرة، قال الرسول (ص):" كیف أنتم إذا نزل ابن مریم فیكم وإمامكم منكم " [7] .

وقال الحافظ فی شرح صحیح البخاری: " تواترت الأخبار بأن المهدی من هذه الأمة وأن عیسی بن مریم سینزل ویصلی خلفه " [8] .

وقد أصدر المجمع الفقهی فی رابطة العالم الإسلامی الفتوی التالیة بشأن المهدی المنتظر والمؤرخة فی 31 أیار 1976: " المهدی علیه السلام هو محمد بن عبد الله الحسنی العلوی الفاطمی المهدی الموعود المنتظر، موعد خروجه فی آخر الزمان، وهو من علامات الساعة الكبری یخرج من المغرب ویبایع له فی الحجاز فی مكة المكرمة بین الركن والمقام بین باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود الملتزم. ویظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس ویملأ



[ صفحه 137]



الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، یحكم العالم كله ویخضع له الرقاب بالإقناع تارة وبالحرب أخری. وسیملك الأرض سبع سنین وینزل عیسی علیه السلام من بعده فیقتل الدجال أو ینزل معه فیساعده علی قتله بباب لد بأرض فلسطین. وهو آخر الخلفاء الراشدین الاثنی عشر الذین أخبر عنهم النبی (ص) فی الصحاح... وإن الاعتقاد بخروج المهدی واجب وإنه من عقائد أهل السنةوالجماعة ولا ینكره إلا جاهل بالسنة ومبتدع فی العقیدة " [9] .

وهكذا فإن أهل السنة یتفقون مع الشیعة بأن الإمام المهدی هو آخر الخلفاء الاثنی عشر الذین بشر بهم الرسول (ص) فی أحادیث كثیرة، ویتفق الفریقان كذلك حول معظم النقاط الأخری المتعلقة بالإمام المنتظر. وأما أهم الاختلافات بینهما بشأنه فهی: الأول: یعتقد معظم أهل السنة أن الإمام المهدی علیه السلام سیولد فی آخر الزمان بینما یعتقد الشیعة بأنه ولد فی عام 255 ه‍ لأبیه الإمام الحسن العسكری وهو حادی عشر أئمة أهل البیت، ولكن الله تعالی غیبه عن العیون لحكمة رآها، ولا یزال حیا وسیظهره فی آخر الزمان. الثانی: یعتقد أهل السنة كما فی الفتوی أعلاه أن المهدی هو ومن ولد الحسن علیه السلام وأن اسم أبیه هو عبد الله استنادا إلی روایة عندهم ".. یواطئ اسمه اسمی واسم أبیه اسم أبی " بینما یعتقد الشیعة أن المهدی ینحدر نسله من الإمام الحسین علیه السلام وقد ولد لأبیه الحسن العسكری، وأن الروایة الأخیرة



[ صفحه 138]



هذه یروونها: "... یواطئ اسمه اسمی واسم أبیه اسم ابنی " إشارة إلی حفید الرسول (ص) الحسن السبط علیه السلام. وحاول بعض الكتاب من أهل السنة التشنیع والطعن فی الشیعة لاعتقادهم بولادة الإمام المنتظر وتسلمه مقالید الإمامة وعنده من العمر 5 سنوات. ویرجع هذا التشنیع فی المقام الأول إلی التعصب لما هم علیه من اعتقاد، فكل ما یخالف اعتقادهم أو ما ألفوه أو ورثوه فإنهم یحكمون فی الحال ببطلانه دون النظر إلی ما احتج به غیرهم. وردا علی ذلك نقول: أولا: إن هناك كثیر من علماء أهل السنة یعتقدون بأن المهدی هو محمد بن الحسن العسكری وأنه لا یزال حیا حتی یظهره الله موافقین بذلك ما یقوله الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة. ومن هؤلاء العلماء: 1 - محی الدین بن العربی فی فتوحاته المكیة. 2 - سبط بن الجوزی فی كتابه تذكرة الخواص. 3 - عبد الوهاب الشعرانی فی كتابه عقائد الأكابر. 4 - ابن الخشاب فی كتابه تواریخ موالید الأئمة ووفیاتهم. 5 - محمد البخاری الحنفی فی كتابه فصل الخطاب. 6 - أحمد بن إبراهیم البلاذری فی كتابه الحدیث المتسلسل. 7 - ابن الصباغ المالكی فی كتابه الفصول المهمة. 8 - العارف عبد الرحمن فی كتابه مرآة الأسرار. 9 - كمال الدین بن طلحة فی كتابه مطالب السؤول فی مناقب الرسول. 10 - القندوزی الحنفی فی كتابه ینابیع المودة. وغیرهم [10] .



[ صفحه 139]



ثانیا: لا یوجد أی دلیل شرعی یثبت عكس ذلك، وغیبة الإمام المنتظر لها ما یشابه ها الكثیر من المعجزات التی أخبر بها القرآن الكریم، فنوح علیه السلام لبث فی قومه 950 سنة یدعوهم (فلبث فیهم ألف سنة إلا خمسین) [11] وقد عاش بالطبع أطول من ذلك، ولبث أهل الكهف 309 سنوات وهم نائمون، ورفع الله تعالی عیسی علیه السلام إلیه ونجاه من القتل وسیعیده إلی الدنیا فی آخر الزمان أیضا، والخضر علیه السلام لا یزال حیا غائبا عن العیون. وأما بالنسبة لصغر سن المهدی علیه السلام عند تسلمه الإمامة بعد وفاة أبیه الحسن العسكری حادی عشر أئمة أهل البیت علیهم السلام، فإن هناك معجزات تماثلها بل وأكبر منها، فقد جعل الله عیسی بن مریم علیه السلام نبیا وهو فی المهد رضیعا: (فأشارت إلیه - قالوا: كیف نكلم من كان فی المهد صبیا؟ قال: إنی عبد الله آتانی الكتاب وجعلنی نبیا) [12] ، وأعطی الله تعالی كذلك الحكم لیحیی علیه السلام وهو صبیا (یا یحیی خذالكتاب بقوة وآتیناه الحكم صبیا) [13] .

وإذا قیل بأن هذه المعجزات كانت للأنبیاء، فنقول بأنه لیس هناك أی دلیل شرعی یشیر إلی توقف المعجزات بعد وفاة النبی (ص)، والمعجزات لیست للأنبیاء فقط، فأهل الكهف لم یكونوا أنبیاء، وحتی سید الشیاطین " إبلیس " فإن الله قد أمد فی عمره حق قیام الساعة. ومن ناحیة أخری، فإن الذین یعترضون علی الاعتقاد بغیبة الإمام المنتظر فهو راجع أیضا لجهلهم بمقامه وحقیقته فالمهدی علیه السلام سیكون إماما لعیسی علیه السلام الذی جعله الله نبیا وهو فی المهد رضیعا، وهكذا فإنه لو علم أهل السنة وتیقنوا بأن الله تعالی هو الذی اختار الأئمة الاثنی عشر من أهل البیت لیكونوا خلفاء



[ صفحه 140]



للرسول (ص) وحفظة للرسالة المحمدیة، فإن استغرابهم بما أحاطه الله من عنایة بخاتم هؤلاء الأئمة - حتی یظهره ویتم علی یده نصر الحق المبین وإظهاره علی الدین كله - سیزول ولن یكون له أی مبرر. فأغلبیة أهل السنة لا یستغربون لما أخذوه من طریقهم أو من كل ما ینسجم مع مذهبهم بل یضعونه محل القبول والتسلیم، وهذا لیس فقط بشأن تلك المعجزات التی ورد ذكرها فی القرآن الكریم والتی لا یستطیع أحد بالطبع أن یثیر أی شبهة حولها، وإنما یشمل هذا الاعتبار ما أخذوه من روایات صحیحی البخاری ومسلم، فكما یروون - مثلا بنزول الله إلی السماء الدنیا آخر اللیل وكشفه عن ساقه ووضع قدمه فی جهنم یوم القیامة (والعیاذ بالله)، أو احتمال سهو النبی ووقوعه تحت تأثیر السحر ونسیانه للقرآن أو فقأ موسی علیه السلام لعین ملك الموت، ورجحان إیمان أبو بكر علی إیمان الأمة بكاملها، أو اختراق رؤیة عمر للآفاق آلاف الأمیال والتی عرفت قصة " ساریة " المشهورة عند أهل السنة، أو قولهم " لو كان نبی بعدی لكان عمر " أو قولهم بأن الملائكة تستحی من عثمان وإلی غیر ذلك الكثیر الكثیر من الحكایات التی یتقبلها غالبیتهم كما هی وبالرغم من وجود العلل الكثیرة فیها، وأما ما یعتقده غیرهم فیستنكرونه جملة وتفصیلا وینفونه دون أی تأمل أو بحث. وأنا متأكد بأنه لو وجدت عقیدة غیبة الإمام المنتظر عند أهل السنة لما أحاطوها بأیة شبهة أو تساؤل! وفی هذا المقام تحضرنی عدة طرائف صادفتنی خلال حدیثی مع بعض الأخوة، فأحدهم وفی سیاق استنكاره لزواج المتعة الذی یعتقد الشیعة بجوازه لم یكن یعلم بأن الرق لم یحرم فی الإسلام، بل كان یطعن فی ذلك لعدم انسجام ذلك مع عقله، وعندما بینت له أن أهل السنة جمیعا یقولون بعدم حرمته فإنه سلم بذلك علی الفور، وأما نكاح المتعة وبالرغم من رؤیته لما یؤید عدم تحریمها من صحیح البخاری فإنه أصر علی عدم الاقتناع بها لا لشئ إلا لأن عموم أهل السنة یعتقدون بحرمتها!؟! والأطرف من ذلك أننی



[ صفحه 141]



كنت أقول لآخرین أثناء دفاعی عما اهتدیت إلیه من اتباع لصراط أهل البیت أن الشیعة یعتقدون بنسیان الرسول (ص) لبعض آیات القرآن أو تمكن أحد الیهود من سحره أو قصة موسی مع ملك الموت وغیر ذلك فإنهم كانوا یستنكرون ویسخرون من هذه الاعتقادات، وعندما بینت لهم بأن هذا بعض ما یشنع به الشیعة علی أهل السنة والمثبت فی أصح كتب الحدیث عندهم كصحیح البخاری مثلا، فإن بعضهم كان ینقلب لیدافع عنها ویحاول أن یجد مبررا لها ویصر علی عدم التنازل عنها وكأنها أصل من أصول الاعتقاد. وما ذاك إلا ما یسمی بالتعصب المذهبی الأعمی الذی لن یجدی بمواجهة الحقیقة لأن إغماض العین عنها لا یعنی انتفاء وجودها، وإن مثل هؤلاء كمثل النعامة التی تعرفون. وخلافا لما یتصوره البعض، فإن الإمام المنتظر وبالرغم من اعتقاد جمیع الفرق الإسلامیة بظهوره فی آخر الزمان فإنه سیختلف علیه حین ظهوره وسیكون موضع امتحان كبیر للمسلمین كافة، بل ولأصحاب جمیع الرسالات السماویة فالیهود والنصاری أیضا یعتقدون بقدوم المنقذ الموعود. وقد أخبرت الروایات أن المسلمین سیفتنون بالدجال الذی سیحارب المهدی حتی أن كثیرا منهم سیقاتل فی صفه والذی تصفه بعض الروایات بالأعور ألدجال. والحقیقة كما أراها أبعد مما یعتقده بعض أهل السنة بأنه سیكون مكتوبا علی جبین الدجال كلمة " كافر "، حیث أنه من المستبعد أن یفتن به أحد من المسلمین ما دام بإمكانه قراءة تلك الكلمة التی تدل علی حقیقته، وأما زعم بعضهم بأن المؤمن فقط هو الذی سیتمكن من قراءة تلك الكلمة علی جبینه، فهذا أیضا مرفوض لأنه یعنی بأن الامتحان یكون قد حسمت نتیجته قبل رؤیة الدجال، ولا یوجد أی معنی فی هذه الحالة للفتنة التی أخبرت عنها الروایات، ونفس الأمر ینطبق بالنسبة لادعائهم بأنه سیكون أعور العین. ولهذا السبب فقد كنت سابقا أتعجب كیف یمكن للمسلمین عدم مبایعة



[ صفحه 142]



المهدی عند ظهوره بل ومحاربته بالرغم من انتظارهم لظهوره ویقینهم بأن الله ناصره!؟؟ إلا أنه وبعد بحثی لمسألة الخلاف بین أهل السنة والشیعة وعلمت ما لهذا الرجل من علاقة وثیقة بما یعتقده الشیعة وخصوصا قولهم بأنه إمامهم الثانی عشر، فقد بدت لی هذه الفتنة بصورة أكثر جلاء من قبل. فعندما یظهر الإمام المنتظر علی حسب مواصفات الشیعة، فإنهم سیبایعونه فی الوقت الذی سیقول فیه المتعصبون من أهل السنة علی الفور بأن هذا المهدی هو شیعی ولیس الذی ننتظره والذی سیكون سنیا بلا شك! ونستطیع أن نلمس آثار هذه الفتنة فی حیاتنا المعاصرة من خلال التشنیع والطعن الذی قام به المتعصبون من أهل السنة ضد الثورة الإسلامیة فی إیران ومفجرها، أو غض نظرهم عنه فی أغلب الأحیان لا لشئ إلا لأنه " شیعی "، ودون علم منهم غالبا بحقیقة باعثی هذه الفتنة ومؤججی نارها من أبناء جلدتنا والذین سخرهم أعداء الأمة لهذا الغرض الخبیث، وذلك بالرغم من أن الرسول (ص) قد بشر بهذه الصحوة المباركة وباعثیها فی الحدیث الذی أخرجه البخاری فی صحیحه بالسند إلی أبی هریرة الذی قال: كنا جلوسا عند النبی (ص) فأنزلت علیه سورة الجمعة - (وآخرین منهم لما یلحقوا بهم) قال: قلت: من هم یا رسول الله؟ فلم یراجعه حتی سأل ثلاثا وفینا سلمان الفارسی، وضع رسول الله (ص) یده علی سلمان ثم قال: لو كان الإیمان عند الثریا لناله رجال أو رجل من هؤلاء " [14] .

وقد أشار الله تعالی أیضا فی كتابه العزیز إلی هؤلاء القوم بقوله: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فی سبیل الله - فمنكم من یبخل ومن یبخل فإنما یبخل عن نفسه والله الغنی وأنتم الفقراء وإن تتولوا یستبدل قوما غیركم ثم لا یكونوا أمثالكم) فعن أبی هریرة أن رسول الله (ص) عندما تلا هذه الآیة سألوه: یا



[ صفحه 143]



رسول الله من هؤلاء الذین إن تولینا استبدلوا بنا ثم لا یكونوا أمثالنا، فضرب علی فخذسلمان ثم قال: " هذا وقومه، ولو كان الدین عند الثریا لتناوله رجال من الفرس " [15] .

وقد نبه الرسول (ص) كذلك إلی الفئة التی ستأخذ علی عاتقها خلق الفتن بین المسلمین فی زماننا، فعن ابن عمر قال: " ذكر النبی (ص): اللهم بارك لنا فی شامنا، اللهم بارك لنا فی یمننا. قالوا: وفی نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا فی شامنا، اللهم بارك لنا فی یمننا، قالوا: یا رسول الله، وفی نجدنا؟ فأظنه قال فی الثالثة:هناك الزلازل والفتن وبها یطلع قرن الشیطان " [16] .

وهذه الفئة المقصودة فی هذا الحدیث لم أر لها تفسیرا إلا بالطائفة الوهابیة والتی ولد مبتدعها محمد بن عبد الوهاب فی إحدی قری نجد تسمی " العیینة "، هذه الطائفة والتی تحت غطاء التوحید الذی جعلت منه واجهة لمقاصدها الخبیثة فی رمی غیرها من الطوائف لا سیما - أتباع أهل البیت علیهم السلام بالكفر والشرك، فعلی سبیل المثال فإنهم یعتبرون التوسل بالأنبیاء والأولیاء والصالحین شركا عظیما بالرغم من وجود ما یناقض ذلك فی صحیح البخاری وفیما فعله الخلیفة عمر (رض). فعن أنس: " إن عمر بن الخطاب رضی الله عنه كان إذا قحطوا استسقی بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إلیك بنبینا فتسقینا، وإنا نتوسل إلیك بعم نبینافاسقنا، قال: فیسقون " [17] .

وأما سبب تركیز الوهابیة علی هذا الجانب، فهو لأن أتباع أهل البیت علیهم السلام عرف عنهم أكثر من غیرهم بتمسكهم واحترامهم لقدسیة شخص النبی الكریم (ص) والأئمة المعصومین من بعده لأنهم یرون عظم منزلتهم عند الله تعالی، والذین لولاهم لما اهتدی بشر إلی صراط الله المستقیم ولبقی البشر علی غیهم وضلالهم.



[ صفحه 144]



ویكفی فی الرد علی الوهابیة ومبتدعها ما أخرجه البخاری فی صحیحه أن الرسول (ص) قال: " یخرج ناس من قبل المشرق، ویقرأون القرآن لا یجاوز تراقیهم، ویمرقون من الدین كما یمرق السهم من الرمیة، ثم لا یعودون فیه حتی یعود السهم إلی فوقه. قیل: ما سیماهم؟ قال: سیماهم التحلیق، أو قال:التسبید " [18] .

ومعنی التسبید هو كما جاء فی الحدیث الشریف " قدم ابن عباس - مسبدا - رأسه " أی حالقا شعر رأسه [19] ، وهذه الصفة اشتهر بها الوهابیون كماعرف ذلك من تاریخهم " [20] .

والمهدی علیه السلام سیأتی لنصرة المستضعفین فی الأرض علی قوی الاستكبار كلها، فماذا تتوقعون من أعدائه؟ أولیس أنهم سیحاولون تسخیر المنافقین من المسلمین ووعاظ السلاطین وأئمة الضلال لمحاربة هذا القادم الجدید؟ أو لم تروا فی أیامنا هذه كیف استطاع حاكم العراق الذی اشتهر بفسقه وكفر طریقته بأن یغرر بملایین المسلمین الذین خرجوا یهتفون باسمه، عندما تظاهر بالإیمان والاعتماد علی الله وإعلان الجهاد ضد الكفار والمشركین حتی اعتقد كثیرا من البسطاء بأن هذا الدجال أصبح إمام المسلمین حقا! وفی ذلك ما یكفی للإشارة إلی ما سیكون علیه حال المسلمین وقت تعرضهم لحوادث أكبر وأشد، وقد بین المصطفی (ص) ما یجب علی المسلمین عمله لضمان النجاة من الغرق فی مستنقع هذه الفتن بعد رحیله بالتمسك بكتابه والعترة الطاهرة من أهل بیته - كما مر شرحه فی الفصل الأول -.



[ صفحه 145]



فعن حذیفة بن الیمان قال: " كان الناس یسألون رسول الله (ص) عن الخیر وكنت أسأله عن الشر مخافة أن یدركنی، فقلت: یا رسول الله. إنا كنا فی جاهلیة وشر فجاءنا الله بهذا الخیر، فهل بعد هذا الخیر من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خیر؟ قال: نعم، وفیه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم یهدون بغیر هدیی تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخیر من شر؟ قال: نعم. دعاة علی أبواب جهنم من أجابهم إلیها قذفوه فیها. قلت: یا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ویتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرنی إن أدركنی ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمین وإمامهم. قلت: فإن لم یكن لهم جماعة ولا إمام، قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتی یدركك الموت وأنت علی ذلك " [21] .

والحدیث هذا یبین بكل وضوح وجوب الالتزام بجماعة المسلمین وإمامهم، وإنه فی حال الالتباس فی الأمر وعدم إمكانیة معرفة الحقیقة، فإن التوجیه النبوی یأمرنا " بالسكوت "، ویبین الحدیث أیضا أن " الدعاة علی أبواب جهنم من أجابهم إلیها قذفوه فیها " لیسوا من العجم وإنما من جلدة العرب الأمر الذی یؤكد ما جاء فی الأحادیث السابقة بشأن الطائفة المبتدعة. والحقیقة أن هذه الفتنة التی نمر بها وقد حذرنا الرسول (ص) من مغبة الوقوع فی حبائلها، فإنه یلزمنا أن نكون فی أشد حالات الحیطة والحذر باختیارنا للطریق الذی یوصلنا بأمان إلی سنة المصطفی (ص)، وخصوصا مع وجود الطرق المتعددة والتی یصل عددها إلی ثلاث وسبعین - كما فی بعض الروایات - وكل من هذه الطوائف تزعم أنها الحق، إلا أن الرسول (ص) بین لنا أن واحدة منها فقط هی الناجیة وما دونها فهی دون ذلك. وقد وعد الله بنصر هذه الطائفة الناجیة بقوله: " لا تزال طائفة من أمتی ظاهرین علی الحق لا یضرهم من خالفهم حق یأتی أمر الله " والمسلم بات فی أیامنا حائرا ومستغربا لكل ما یجری حوله من هذه الضجة الكبری والفتنة العظمی وهو یری نفسه مطالبا بإعادة النظر بإسلامه



[ صفحه 146]



وبكثیر من الحوادث الهامة فی تأریخنا الإسلامی، مما یعتبر مصداقا لقول الرسول (ص): " بدأ الإسلام غریبا، وسیعود غریبا كما بدأ... ". ولا شك أن من یمعن النظر فی تأریخنا الإسلامی وإلی یومنا هذا، ویتأمل بالذی حل بأهل البیت لا سیما الأئمة منهم من مصائب ومحن واستضعاف، ویفكر بسبب ضیاع الحقیقة بین أهل السنة فإنه سیدرك معنی عودة الإسلام (الغریبة) والتی علی ما یبدو قد بدأت فعلا فی السنوات الأخیرة وقد انقشع جزءا من الظلمة التی خیمها الظالمون علی اتباع هذا الطریق علی مر العصور ومصداقا لما نطق به المصطفی الهادی (ص): " إنا أهل البیت اختار الله لنا الآخرة علی الدنیا، وإن أهل بیتی سیلقون بعدی أثرة وشدة وتطریدا فی البلاد حتی یأتی قوم من ههنا - وأشار بیده نحو المشرق - أصحاب رایات سود فیسألون الحق فلا یعطونه فیقاتلون فینصرون ویعطون ما شاؤوا، فلا یقبلونه حتی یدفعوها إلی رجل من أهل بیتی، فیملؤها عدلا كما ملئت ظلما،فمن أدرك ذلك فلیأتهم ولو حبوا علی الثلج " [22] .

اللهم عجل فرجه الشریف واجعلنا من السائرین تحت لوائه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی سیدنا محمد وآله الطیبین الطاهرین.


[1] الأنبياء: 105.

[2] القصص: 5.

[3] التوبة: 32 - 33.

[4] صحيح الترمذي ج 9 ص 74، أبو داوود ج 2 ص 7، مسند أحمد ج 1 ص 376.

[5] مستدرك الصحيحين ج 4 ص 557، مسند أحمد ج 3 ص 36.

[6] صحيح ابن ماجة باب الجهاد.

[7] صحيح مسلم ج 1 ص 373 باب نزول عيسي بن مريم ط دار الشعب.

[8] فتح الباري ج 5 ص 362.

[9] مؤامرة المتاجرين بالدين: ص 29.

[10] أخذت هذه المصادر من كتاب " لأكون مع الصادقين " للعلامة الدكتور محمد التيجانيص 196.

[11] العنكبوت: 14.

[12] مريم: 29 - 30.

[13] مريم: 12.

[14] صحيح البخاري ج 6 ص 390 كتاب التفسير باب - وآخرين منهم لما يحلقوا بهم -، صحيح مسلم ج 5 ص 408 كتاب الفضائل باب فضل أهل فارس ط دار الشعب بشرح النووي.

[15] تفسير ابن كثير والقرطبي والطبري والدر المنثور.

[16] صحيح البخاري ج 9 ص 166 كتاب الفتن باب الفتنة من قبل المشرق.

[17] صحيح البخاري ج 2 ص 66 كتاب الاستسقاء.

[18] صحيح البخاري ج 9 ص 489 كتاب التوحيد باب قراءة الفاجر والمنافق.

[19] مختار الصحاح للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر الرازي ص 282 ط دار التراث العربي للطباعة والنشر.

[20] فتنة الوهابية ص 77 ط استنبول 1978 م.

[21] صحيح البخاري ج 9 ص 159 كتاب الفتن باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة.

[22] سنن ابن ماجة ج 2 رقم الحديث 4082، 4087، وتاريخ الطبري.